الجمعة، 3 ديسمبر 2010

العلمانية المطعون في شرفها

العلمانية المطعون في شرفها
تعقيب على تعقيب


( ميمي العامل المطعون في شرفه )  كوميديا إيطالية تطّول لسانها على بروليتاريا ’رفعت أخلاقها في حينه الى ما يوازي أخلاق  الصحابة في المثيولوجيا الإسلامية  المعاصرة . زاحمت - وأنا أقرأ تعقيبا لأبي يعرب المرزوقي  على نص للصديق ياسين الحاج صالح بعنوان : أمتان..حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية أو العكس  على حلقتين (-2-1).
 وقد  جاء التعقيب تحت عنوان : انتهت الدولة العلمانية كما انتهت الدولة الدينية . أنهاه المرزوقي باقتراح مشتق منه ( أي  العنوان ):" وماذا لو قلنا إن الدولة العلمانية انتهت يوم انتهت نظرية الثوابت العقلانية الواحدة (إيديولوجية الحداثة) كما انتهت الدولة الدينية يوم انتهى القول بالثوابت الدينية الواحدة (إيديولوجية ما قبل نزول القرآن)؟"-  أقول زاحمت : ميلودراما من القرن الأول الهجري  بطليها (لوريل وهاردي )ذاك الزمان : عمرو ابن العاص وأبي موسى الأشعري ...
إلا أن عمرو في تقديمه لأبي موسى على نفسه عند الصعود الى المنبر( بدعوى احترام السن ) مرر حيلته , بينما خان أبا يعرب المرزوقي ذكاؤه .وظهر ذنبه لليلى  من تحت اللحاف : حين حدد تاريخ انتهاء الدولة الدينية  بانتهاء( إيديولوجية ما قبل نزول  القرآن) ..
لم يقصر المرزوقي في إظهار آيات الاحترام  والتقدير لاعتماد ياسين  :" منهج التجريب العقلي في علاج قضية غلب على الكلام فيها الطابع الانفعالي وتبادل التهم بين حزبي الحرب الأهلية العربية خاصة والإسلامية عامة"
لكنه ضعف كالعادة أمام إغراء  تمرير تهمة ارتباط العلمانية  بالخارج وإن في صيغة تحبس الضحك لفرط الموضوعية والحياد العلمي المعتمدة:" فاعتماد الحزب الديني على شعبية شعاراته في الداخل يعوضها اعتماد الحزب العلماني على شعبية شعاراته في الخارج. ولما كنا في عصر لم يعد فيه الفاصل بين الداخل والخارج مؤثرا بات من الواجب طلب الحل العملي لكسر الدور الفاسد"
والحل العملي إسقاط الدولة العلمانية والدولة الدينية التي قامت قبل نزول القرآن  واعتماد " الدولة الإسلامية رغم كونها دينية لا تفرض عليه مذهبا قانونيا بل هي تترك له الخيار بين أحد المذاهب -وهي كثيرة وعلى كل أكثر من واحد هو في الدولة العلمانية إرادة الأغلبية التي بيدها سلطة التشريع-"
يا للبحبوحة التي يعدنا بها المرزوقي  .. فالمذاهب في الدولة الإسلامية  أربعة وقد تكون خمسة إذا تحامقنا وصدقنا أن  المرزوقي ممن  يعترف لجعفر الصادق بحسن  إسلامه .
أما الإحساس بالاختناق  الذي قد يكون راود علمانيا أفغانيا  في دولة طالبان الإسلامية على سبيل المثال لا الحصر  فهو وهمٌ  يتبدد بالتربية . وبرهان ذلك سهل الهضم  وننصح به كل العلمانيين (أليست الحضارة .... جملة الضوابط التي تنتظم بها حياة البشر في تعاملهم في ما بينهم ومع محيطهم؟ ) و..( أليس عدم الشعور بوطأة تلك الشبكة الضابطة علته تحول تلك القوانين إلى تربية وتقاليد أو عوائد تجعل المرء لا يشعر فيها بالفرض الخارجي؟)..إذاً..( لم لا نفترض نفس الشيء بالنسبة إلى الأوامر والنواهي الفقهية لو ربي عليها الناس تربية تجعلها من الأمور المعتادة فلا يشعر الناس بطابعها القسري؟ ألا يكون الفرق الوحيد)-المقصود بين قوانين الدولة العلمانية  وبين الدولة الإسلامية التي ينشد بناءها الشيخ قرضاوي- ( أن فقه الشيخ القرضاوي لم يعد أمرا يربي عليه الناس فباتوا يشعرون بطابعه المفروض من خارج؟) وبالتالي: (فمعنى ذلك أن نسبة الدولة العلمانية إلى القوانين التي تضبط سلوكهم لا تختلف في شيء عن نسبة الدولة الدينية إلى الشرائع التي تضبط سلوكهم)..أي بالمفتشر : كله عند العرب صابون ..رغم ذلك ومن أجل الموضوعية والحيادية يستطرد صاحبنا :( حتى وإن كنت لا أنكر أن سلطان النمط الجديد من الحياة يجعل التناسب بين التشريعات الحديثة أكثر ملاءمة لمتطلبات الحياة الحديثة) لكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً بل  يمكن للعلمانيين أن يعتادوا العيش في دولة القرضاوي الإسلامية.. فقد تأكد لأبي يعرب المرزوقي  وبالدليل القاطع : أننا  نشعر بالألم لأننا لم نتعود عليه .لا لأن له أسبابا مستقلة عنا .. .لنتعود عليه فتنحل المشكلة .. هكذا وبكل طيبة تخفي وراء ظهرها عصى لمن يعصى تتخلق نظرية إسلامية  لتربية الناشئة وإعدادها لتشكيل المجتمع المسلم المطعّم ضد أنواع الأوجاع  .. لا ريب أنها أول الغيث  الذي يبشر بقدوم علم النفس الاسلامي  مع كوكبة من زملائه : علم الهندسة الإسلامي  وعلم الذرة الإسلامي ..الخ ..الخ ..في المشروع الاستراتيجي لأسلمة العلوم وإدخال المسلمين في الحائط .. كان على النقد التضامني  الذي  يمارسه ياسين للعلمانية كما  وضعت في الاستخدام  العربي- وهو نقد تحتاجه هذه العلمانية لكي تخرج من كبوتها- أن يشجع لدى المرزوقي موقفا نقديا شبيها حيال الخطاب الإسلامي ليس من أجل الموضوعية بل من أجل المصداقية . ذلك أن اسلاما مستنيرا  وعلمانية  متخففة من شحنتها الأيديولوجية قادران أن يجسرا الهوة بينهما ..إلا أن الفهلوة كانت أشد إغراء فخسرنا حوارا مثمرا وانتصر منطق التترس ..

سامي العباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق