الجمعة، 3 ديسمبر 2010

تعرفت على دارون في المدرسة !!

تعرفت على دارون في المدرسة !!


كان ذلك في كتاب البيولوجيا المخصص لطلاب الشهادة المتوسطة للعام 1968.أذكر أن نظريته  ’عرضت يومها في سياقٍ أحتلت فيه موضع الأساس لنظرية النشوء والإرتقاء الحديثة .. لاأحتفظ الآن من ذلك بغير إنطباعات ينبغي معالجتها بحذر  الأركيولوجي  لإعادة رسم مشهد التعليم الحكومي في سورية  الستينات  ..أقوى  هذه الإنطباعات المتبقية, ما رسّبه الخوف الذي ركبني   خشية أن يفلت من ذاكرتي  الفا رق بين النظريتين : نظرية دارون في النشوء والإرتقاء  والنظرية الحديثة . كان ما يقض مضجعي أن يأتي هذا الفارق كسؤال مصيري في  الإمتحان النهائي ..وعلى عادتي في تبديد  الإرتياب - قبل أن يتحول هذا الأخير  إلى موقف  نقدي من حصار البديهيات الذي أحكمته حولنا ثقافتنا الدينية - توصلت إلى تعليق هذا الفارق على شماعة  المناورة التي يضطر إليها  التعليم الحكومي  الحديث لتمرير رسالته التنويرية تحت أنف   الأكليروس الديني  الذي بدأ يستيقظ آنذاك على البلل وهو يصل إلى ذقن مقدساته ..كانت تلك السنوات هي ذروة ما وصلته النخبة العلمانية الحاكمة من جرأة على تعكير مياه  اليقينيات الراكدة  : في الإقتصاد وفي التراتب الطبقي وفي اللاهوت :اليهمسلامي بتعبير أركون ..وكانت مقالة لابراهيم اخلاص  وصف فيها الله "بدمية ينبغي  وضعها في متحف التاريخ " و نشرتها له  مجلة "جيش الشعب"  التي يصدرها مكتب الإعداد العقائدي في وزارة الدفاع السورية قد أثارت زوبعة  دفعت النخبة الحاكمة آنذاك  للإختباء وراء إصبعها ,  وتعليق المقالة وصاحبها  على مشجب المؤامرة الصهيونية .. لم تتجاوز العلمانية - في أفضل حالاتها داخل ماوصّف آنذاك بالشطر  التقدمي من  النظام العربي-  الكوكتيل المصري الشهير "لبن ,سمك ,تمر هندي " ..لكن الكوكتيل إياه كان واعداً..ففي ستينات القرن الماضي  وخصوصاً بعيد  هزيمة 1967 بلورت مجتمعات المنطقة راديكاليةً "علمانيةً" رمت القفاز في وجه غرب أنكلو سكسوني بدا في العين العربية كعاهرة سال مكياجها ..وأعقب ذلك   تصعيدٌ للعلاقات مع المعسكر الإشتراكي .فتركت البعثات التعليمية و ترجمات دار التقدم آثاراً واضحة  على عقل النخبة الحاكمة وبطانتها من التكنوقراط  الإداري والعسكري  . و’طّعمت  الفذلكات الأيديولوجية للأحزاب القومية –الإشتراكية  بجرعات متفاوتة  من الماركسية- اللينينية .و خفت القيود على الأنشطة الدعوية للأحزاب الشيوعية العربية ..في سورية آنذاك طال التغيير مناهج التعليم المدرسية مما أعطى للداروينية موطئ قدم لازالت آثاره باقية في الأجيال التي تلقت تعليمها في المدارس الحكومية آنذاك  ..وكان تداول مؤلف دارون"أصل الأنواع " الذي ’ ترجم في لبنان يجري على نطاق واسع في أوساط الكوادر الطلابية  البعثية والشيوعية والقومية السورية  المتنافسة ليس على السلطة فقط بل و على الخروج من حصار الرؤية الدينية للعالم  ..
بهذا المعنى ساهمت الداروينية - التي سمحت النخبة الحاكمة آنذاك  بتسريبها إلى الكتب المدرسية- في شحن الأجيال الجديدة بالأسئلة التي تعيد تفحص أسطورة الخلق المشتركة للأديان السماوية ,التي  ’سجن فيها المخيال الجمعي لسكان المنطقة .
الآن- وبعد مضي أربعة عقود على ذلك- فتشْت’ عن دارون في الكتب المدرسية  , فلم أجد عنه  سوى سطرين في  آخر صفحتين من  مقرر البيولوجيا لطلاب السنة الأخيرة في التعليم قبل الجامعي ..سطران تم دهنهما بما يكفي لكي يزحط عنهما عقل الطالب دون أن يرتج له يقين بثوابت السلف الصالح .. مع ذلك هناك من يدير عينيه متعجباً في سوريا من هذا النكوص الجماعي نحو دين العجائز..لقد نهض العقل من رقاده بالتعليم الحديث ..وعندما كان الكتاب المدرسي ينهض بمهمة توسيع المدارك كان هرم بزل الثروة المشكل من الباشوات والبكوات والأفندية  يصرف بأسنانه غيظاً مما يجري .ذلك أن التعليم الحديث بعد أن تحولت المدرسة الحكومية إلى عموده الفقري أصبح أداة لكسر التراتب الطبقي الموروث من المرحلة العثمانية . ويخطئ من يظن أن الوشائج مقطوعة بين الثقافة التقليدية  الراكدة وبين نظام  بزل الثروة ..فكل من الطرفين يشد أزر الآخر. والعقود الستة الأخيرة من عمر التحولات الإقتصادية –الإجتماعية في العالم العربي تفضح إلى أي التوظيفات السياسية قد انحازالوعي الديني ..
لم تحظ الداروينية بالقبول - رغم أن إعادة اكتشاف قوانين مندل في القرن العشرين واكتشاف بناء الشفرة الجينية وتقدم البيولوجيا الجزيئية، قد نقلها من حيز النظرية إلى حيز الحقيقة المخبرية .. فقد  أتاح تقدّم علميّ الوراثة والإحاثة استنباط تطوّر مختلف الأنواع، العلاقة بينها وأصلها المشترك والنقاط التي فرقت بينها-ذلك أن اسطورة الخلق التوراتية لم تفقد بريقها حتى في المجتمعات الغربية التي قطعت شوطاً أطول على طريق الخروج من الرؤية الغيبية للكون.
أما في عالمنا العربي والإسلامي فالطريق طويلة .لايختصرها إلاإعادة الإعتبار للكتاب المدرسي  لكي يستعيد دوره كوعاء لإنضاج ملكة الفهم ..وإلا فإن جامعاتنا ستواظب على توزيع شهادات طنانة في روبابيكا عقلية يعاد تدويرها ..

سامي العباس   



العلمانية المطعون في شرفها

العلمانية المطعون في شرفها
تعقيب على تعقيب


( ميمي العامل المطعون في شرفه )  كوميديا إيطالية تطّول لسانها على بروليتاريا ’رفعت أخلاقها في حينه الى ما يوازي أخلاق  الصحابة في المثيولوجيا الإسلامية  المعاصرة . زاحمت - وأنا أقرأ تعقيبا لأبي يعرب المرزوقي  على نص للصديق ياسين الحاج صالح بعنوان : أمتان..حكم ذاتي إسلامي في ظل دولة علمانية أو العكس  على حلقتين (-2-1).
 وقد  جاء التعقيب تحت عنوان : انتهت الدولة العلمانية كما انتهت الدولة الدينية . أنهاه المرزوقي باقتراح مشتق منه ( أي  العنوان ):" وماذا لو قلنا إن الدولة العلمانية انتهت يوم انتهت نظرية الثوابت العقلانية الواحدة (إيديولوجية الحداثة) كما انتهت الدولة الدينية يوم انتهى القول بالثوابت الدينية الواحدة (إيديولوجية ما قبل نزول القرآن)؟"-  أقول زاحمت : ميلودراما من القرن الأول الهجري  بطليها (لوريل وهاردي )ذاك الزمان : عمرو ابن العاص وأبي موسى الأشعري ...
إلا أن عمرو في تقديمه لأبي موسى على نفسه عند الصعود الى المنبر( بدعوى احترام السن ) مرر حيلته , بينما خان أبا يعرب المرزوقي ذكاؤه .وظهر ذنبه لليلى  من تحت اللحاف : حين حدد تاريخ انتهاء الدولة الدينية  بانتهاء( إيديولوجية ما قبل نزول  القرآن) ..
لم يقصر المرزوقي في إظهار آيات الاحترام  والتقدير لاعتماد ياسين  :" منهج التجريب العقلي في علاج قضية غلب على الكلام فيها الطابع الانفعالي وتبادل التهم بين حزبي الحرب الأهلية العربية خاصة والإسلامية عامة"
لكنه ضعف كالعادة أمام إغراء  تمرير تهمة ارتباط العلمانية  بالخارج وإن في صيغة تحبس الضحك لفرط الموضوعية والحياد العلمي المعتمدة:" فاعتماد الحزب الديني على شعبية شعاراته في الداخل يعوضها اعتماد الحزب العلماني على شعبية شعاراته في الخارج. ولما كنا في عصر لم يعد فيه الفاصل بين الداخل والخارج مؤثرا بات من الواجب طلب الحل العملي لكسر الدور الفاسد"
والحل العملي إسقاط الدولة العلمانية والدولة الدينية التي قامت قبل نزول القرآن  واعتماد " الدولة الإسلامية رغم كونها دينية لا تفرض عليه مذهبا قانونيا بل هي تترك له الخيار بين أحد المذاهب -وهي كثيرة وعلى كل أكثر من واحد هو في الدولة العلمانية إرادة الأغلبية التي بيدها سلطة التشريع-"
يا للبحبوحة التي يعدنا بها المرزوقي  .. فالمذاهب في الدولة الإسلامية  أربعة وقد تكون خمسة إذا تحامقنا وصدقنا أن  المرزوقي ممن  يعترف لجعفر الصادق بحسن  إسلامه .
أما الإحساس بالاختناق  الذي قد يكون راود علمانيا أفغانيا  في دولة طالبان الإسلامية على سبيل المثال لا الحصر  فهو وهمٌ  يتبدد بالتربية . وبرهان ذلك سهل الهضم  وننصح به كل العلمانيين (أليست الحضارة .... جملة الضوابط التي تنتظم بها حياة البشر في تعاملهم في ما بينهم ومع محيطهم؟ ) و..( أليس عدم الشعور بوطأة تلك الشبكة الضابطة علته تحول تلك القوانين إلى تربية وتقاليد أو عوائد تجعل المرء لا يشعر فيها بالفرض الخارجي؟)..إذاً..( لم لا نفترض نفس الشيء بالنسبة إلى الأوامر والنواهي الفقهية لو ربي عليها الناس تربية تجعلها من الأمور المعتادة فلا يشعر الناس بطابعها القسري؟ ألا يكون الفرق الوحيد)-المقصود بين قوانين الدولة العلمانية  وبين الدولة الإسلامية التي ينشد بناءها الشيخ قرضاوي- ( أن فقه الشيخ القرضاوي لم يعد أمرا يربي عليه الناس فباتوا يشعرون بطابعه المفروض من خارج؟) وبالتالي: (فمعنى ذلك أن نسبة الدولة العلمانية إلى القوانين التي تضبط سلوكهم لا تختلف في شيء عن نسبة الدولة الدينية إلى الشرائع التي تضبط سلوكهم)..أي بالمفتشر : كله عند العرب صابون ..رغم ذلك ومن أجل الموضوعية والحيادية يستطرد صاحبنا :( حتى وإن كنت لا أنكر أن سلطان النمط الجديد من الحياة يجعل التناسب بين التشريعات الحديثة أكثر ملاءمة لمتطلبات الحياة الحديثة) لكن هذا لا يغير من الأمر شيئاً بل  يمكن للعلمانيين أن يعتادوا العيش في دولة القرضاوي الإسلامية.. فقد تأكد لأبي يعرب المرزوقي  وبالدليل القاطع : أننا  نشعر بالألم لأننا لم نتعود عليه .لا لأن له أسبابا مستقلة عنا .. .لنتعود عليه فتنحل المشكلة .. هكذا وبكل طيبة تخفي وراء ظهرها عصى لمن يعصى تتخلق نظرية إسلامية  لتربية الناشئة وإعدادها لتشكيل المجتمع المسلم المطعّم ضد أنواع الأوجاع  .. لا ريب أنها أول الغيث  الذي يبشر بقدوم علم النفس الاسلامي  مع كوكبة من زملائه : علم الهندسة الإسلامي  وعلم الذرة الإسلامي ..الخ ..الخ ..في المشروع الاستراتيجي لأسلمة العلوم وإدخال المسلمين في الحائط .. كان على النقد التضامني  الذي  يمارسه ياسين للعلمانية كما  وضعت في الاستخدام  العربي- وهو نقد تحتاجه هذه العلمانية لكي تخرج من كبوتها- أن يشجع لدى المرزوقي موقفا نقديا شبيها حيال الخطاب الإسلامي ليس من أجل الموضوعية بل من أجل المصداقية . ذلك أن اسلاما مستنيرا  وعلمانية  متخففة من شحنتها الأيديولوجية قادران أن يجسرا الهوة بينهما ..إلا أن الفهلوة كانت أشد إغراء فخسرنا حوارا مثمرا وانتصر منطق التترس ..

سامي العباس

محاولة للخروج من الفخ

                                       محاولة للخروج من الفخ

((حاول أهلي إعادة إنتاج شرنقتنا القاهرية في الجبال اللبنانية . فمن يستطيع أن يلومهم على ذلك , إذا أخذنا بالاعتبار موقعنا الخاص المصدع بما نحن كسرات فلسطينية – عربية – مسيحية – أمريكية هشّمها التاريخ(.....) و عندما أدّ ت الإضطرابات في مصر ما بعد الملكية إلى تفكك البلاد من حولنا , حملنا آثارها أنّى ذهبنا , بما في ذلك إلى ضهور الشوير . هناك كان شارل مالك(...), رمزاً لرفض لبنان المسيحي مسايرة القومية العربية , و قراره الانضمام إلى المعسكر الأمريكي في الحرب الباردة و اعتماده لغة القتال و التصلب بدلاً من الحساب لإستدعاآت عبد الناصر المتصاعدة و من السعي إلى التكيف معها ... )) .
أقتطع هذا المقطع المطول من مذكرات المفكر الفلسطيني اللامع إدوارد سعيد (( خارج المكان )) لأجعله بوابة الدخول على المشهد اللبناني الراهن , لباقة من الأسباب :
1-   شخصية إدوارد سعيد المماسة بشكل فكري – نفسي لأربع هويات : فلسطينية – عربية – مسيحية – أمريكية , مع ما يعطي تموضع  إدوارد سعيد على هذا  البرزخ الرباعي  من قدرة على التقليب في جدلية على  هذا المستوى المركب .
2-   يظّهر  هذا المقطع و بشيء من الغبش السحري  ردود الأفعال التي أثارتها الموجة الثانية من القومية العربية ( بقيادة عبد الناصر و البعث ) بعد أن طّعمت نفسها بمكونين :
أ‌-       لاهوتي ( إسلامي )
ب‌- اجتماعي ( اشتراكية )
3-   الخوف المستعصي على كل أنواع المسكنات بما فيه آخرها (صندوق الاقتراع ) الذي تشبثت به الهويات الإثنية و الدينية والمذهبية  حيا ل بعضها البعض .. والفشل المستمر  في  استحضار العلمانية كبوابة عبور  إلى الدولة  من ما قبلها  .
4-   الموقف النقدي لإدوارد سعيد حيال هوياتٍ أربعه , تتقاطع على هذا النحو   الدرامي , وهذا التوازن الفكري المشبوب العاطفة ,حيال هويات وضعها الشرط العقلي  الراهن للاجتماع في  المنطقة بمواجهة بعضها البعض .
من بين الهويات الأربعة لإدوارد سعيد أجرب انتقاء إحداها لوضعه على الطاولة , غير غافلٍ عن نقاط التمفصل الكثيرة التي تربط بين هذه الهويات,  ليس على الصعيد الشخصي لإدوارد سعيد , بل بما هي هويات جماعية شاءت لها الصدفة أن تتصادم كما كرات البليار , لكنها في تصادمها و ارتداداتها العشوائية محكومةٌ بهذا المآل الأخير , أن تهبط عبر الكوة الوحيدة للطاولة . لتهجع ساكنة بعد أن استنفذت الطاقة التي تزودتها من عصا اللاعب .
تشبه العبثية التي تستهلك بها كرات البليار طاقتها الحركية : العبثية التي تْصرّف بها الهويات المتصارعة للبشر شحنتها القتالية . و رغم أن الهويات بنيوياً تقتطع لبناتها من مقالع متنوعة : فالمركب السلالي , أو الاندماج الثقافي , أو شبكات تبادل المنافع المادية ,  تتشارك   المهام, أو تعمل على نحو منفرد, لبناء  هذه  الهوية  أو تلك , إلا أن الملاط الذي يشد اللبنات ,و يمسكها من التداعي , ويموه على التخوم  فيما بينها ترتبط فاعليته بمستوى لزوجة القسط المنحل من المكونات الأولية  التي سمحت بها التجربة السياسية  الخاصة بالجماعة إياها .
أهمية تجربة ادوارد سعيد كما يرسمها في خارج المكان, المذاق التراجيدي  للمآلات التي أفضت إليها  جدلية هوياته الأربعة..لكأنه يختصر على نحو مخبري مجريّات مسرح , تمددت خشبته حتى أصبحت خارجها..وهو ما أوحى لادوارد سعيد باعتقادي عنوان كتابه .أو لعله وهو يحاول أن يرى المكان ,اكتشف  استحالة ذلك بدون أن يخرج منه.. كالجندي لا يستطيع رؤية المعركة وهو فيها.
إلا أن السؤال يظل يطرح نفسه :هل افلح سعيد في الخروج؟؟..أشاطر فالح عبد الجبار تساؤله(1) ((كيف يتأتى لسعيد أن يفك  عقله من اسر الهوى؟..كيف يمكن له أن يطلق عقله  في هذا الهوى الآسر؟!!..))
تلك هي معضلة" المثقف العضوي" بمفهوم غرا مشي..أن يكون جنديا وسط المعركة , وأن يستطيع أن يراها  كما لو انه خارجها. كيف لسعيد أن يحتفظ بتوازنه الفكري- النفسي  عندما تتصادم هوياته  المتعددة عند كل إنعطا فة  تضطر إليها عربة التاريخ في المنطقة؟؟
كيف للمتصّدع أن يحتفظ  بتماسكه تحت هذا المنسوب العالي من  الضغط على  مكوناته  ؟؟
أرى في تجربة إدوارد  سعيد سلسلة متصلة من المساومات, لجأ إليها عقله الجبار لمصالحة هوياته .. مشيرا بذلك  لاجتماعه المركب إلى الاتجاه الذي  يجب  أن تتثبت عليه  إبرة البوصلة, للتملص من الشرط   الراهن ..
يترنح الاجتماع في المنطقة" ولبنان عينة من  تفاقمه المزمن  " كما ترنح ادوارد سعيد بين الدوائر الأربعة  لهوياته ..
و..كلاهما : ادوارد سعيد, واجتماعه المركب , سفينة تشق طريقها وسط العواصف.  مضّطرة إلى أقلمة وضعها مع هذه الموجة أو تلك,لتفادي المصير الذي ينتظرها إن انتصرت فيها الحماقة على التعّقل..

سامي العباس – sameabbas@hotmail.com

الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

تنقيب نساء أم تلاعب سياسي بالدين ؟

تنقيب نساء أم تلاعب سياسي بالدين  ؟
لاينفصل  تصعيد التطرف الديني- الذي يأخذ أشكالاً متنوعة للإفصاح عن نفسه في اللباس والطعام والسلوك- عن الطموحات السياسية لمن يقف خلف هذا التطرف مستخرجاً له المبررات اللاهوتية  ..وليست هذه  الفورة الراهنة للإستثمار  السياسي في الدين  -وهي بالمناسبة تشبه جائحة عامة تنتشر كالنار في الهشيم  مخترقة جميع البيئات الطائفية والمذهبية - بمعزل أيضاً عن صراعات القوى العظمى التي تطمح لضبط إيقاع عمليات التحول التاريخية التي تشهدها مجتمعات العالمين العربي -الإسلامي بما لايخرج عن استراتيجياتها للبقاء على قمة العالم ..في هذه المعمعه من الصراع السياسي"الدولي والمحلي " ينبغي عدم إضاعة البوصلة . فبما أن النشاط العقلي للبشر هو الذي يقودهم إلى هنا او هناك فإن ثقافة تقيد العقل "بانجازات السلف الصالح " ينبغي أن يقطع عليها طريق الوصول  إلى المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام .وأن تجفف من حولها منايع الدعم المالي المتدفق عبر الحدود الوطنية أو من داخل هذه الحدود :جمعيات خيرية تتلطى تحت هذا العنوان وتمد لواقطها كالسرطان باتجاه البيئات الفقيرة للتلاعب بخياراتها السياسية .ليست الخطوة  التي أخذتها وزارة التربية في سورية  بإحالة المنقبات إلى وزارات أخرى سوى محاولة  لتنبيه المنقبات إلى خطورة ما يفعلنه في المدارس .ففي هذه الأخيرة يجري صناعة المستقبل .ولا ينبغي أن يعطى لمشايخ التعصب  وفقهاء بول البعير فرصة التحكم بصناعة مستقبلنا ..الأوساط  التي تتحفظ على هذه الخطوة وتجد فيها ظلما للمرأة.وإحكاماً للحصار حولها بمنعها من العمل كون هذا الأخير البوابة الإقتصادية للخروج من حصار الثقافة الذكورية المهيمنة على مساحات اجتماعية  واسعة لم تطالها أصابع الحداثة العقلية  ,  نسيت أنه يتوجب  على المرأة التي تريد الحصول على حقوقها أن تناضل لإنتزاع هذه الحقوق. لا أن تعطي باستسلامها لأهواء الذكر المتعصب المسلح بثقافة استعباد المرأة الفرصة لنشر هذه الثقافة في المدارس والجامعات والشارع . وأن واجب الدولة أن توفر بإجراءاتها البيئة القانونية الداعمة لحقوق المرأة .إن سياسة التراجع أمام ضغوط  الممسكين بزمام المقدس  وتجييره لمصلحة البقاء في حالة الإستنقاع الحضاري التي تعيشها المجتمعات المسلمة لانهاية لها سوى تسليم البلد لفقهاء الفتنة الطائفية .وعندها سنقرأ الفاتحة  على كل ما راكمته  الحداثة  من انجازات طيلة قرنين ..ينبغي أن نثمّن  إستيقاظ وزارة التربية على ما يجري في حاكورتها منذ سنوات .ونطالبها بمزيد من اليقظة وعدم العودة إلى النوم في العسل.  ونطالب الحكومة بباقة من الإجراءات الرديفة كتلك التي  تسربت أخيراً عن تعليمات لوزير التعليم العالي  بمنع دخول المنقبات إلى الحرم الجامعي .ذلك أن مجتمعاتنا تستحق منا أن نعمل على تجنيبها الذهاب إلى  فتنة تحتطب لها أوساط تدعي التدين ولعابها يسيل على منافع الدنيا .

سامي العباس

حول النقاب مرة ثانية

حول النقاب مرة ثانية

"نحتاج إلى نظر يتجاوز المتداول في جذور إخفاق سفورنا السابق من أجل سفور تاريخي جديد."*
هكذا يختم ياسين الحاج صالح - بعد عرض صحيح بخطوطه العريضة لمقطع من التحولات في سورية وجوارها كان القرن العشرين إطاره الزمني- مداخلته في شأن النقاب وحركة التنقب الإجتماعي ..أقول صحيح في الخطوط العريضة ولكن الشيطان كما يقال يقعد في التفاصيل ..فكما يختلف اتباع المذاهب والطوائف الإسلامية في تفصيلات حكاية الإسلام الأولي ,يختلف الناشطون السياسيون في سورية وجوارها أيضاً على تفاصيل حكاية  لم تنتهي فصولها بعد .. حكاية " تكوّن الدولة الوطنية الحديثة في منطقتنا" والتي تعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى ..هناك ميل عام  إلى تحويل السلطات المحلية إلى مشجب لتعليق الإخفاقات يصطف إلى جانب مشجب الإستعمار والصهيونية  الذي انفرد إلى حين بوظيفة تطهير الذات  وتنقية الضمير الجمعي للأمة .. لم تفلح المقدمة الصحيحة  التي افتتح بها ياسين مقالته "السفور والتحجب (ومنه التنقب) عنوانان لحركتين اجتماعيتين تندرج ضمنهما أشياء أخرى." في تجنيبه الإنزلاق إلى ما يكرره آخرون إلى حد الملل في ارجاع كل بحصة تفرك تحت الكعب إلى مسؤولية السلطات الحاكمة ..تشابه المخانق التي آلت إليها  سيرورة  بناء الدولة الوطنية الحديثة : المصرية والسورية والعراقية والجزائرية ..إلخ تشير إلى تشابه الإكراهات السسيولوجية التي رافقت  مشاريع التحديث آنفة الذكر ..وجذور النجاحات والفشل  تمتص غذاءها ليس فقط من فجاجة  الوعي الحديث  الذي امتصته القوى والأحزاب والفعاليات السياسية والإجتماعية التي شاركت في صناعة مجريات التحول في المنطقة . بل وأيضاً من عقبات ذات طابع بنيوي اشتغلت كألغام"سسيولاهوتية " مدفونة على الطريق تنتظر من يدوس عليها لكي تنفجر ..لقد اندرج السفور كما يقول ياسين بحق في سياق أوسع " كان عنصراً من إيديولوجية أوسع تحض على العلم والعمل، وعلى بناء الأوطان، وتقول إن المرأة نصف المجتمع، ومن شأن غيابها أن يجعل هذا كأنه مصاب بفالج نصفي. كانت هذه الإيديولوجية تدعو إلى تعليم النساء وتثقيفهن، وتشجع مشاركتهن الرجال في الحياة العامة. والمشاركة تعني الخروج من البيت، وتعني الاختلاط، وتعني السفور. هذه وجوه مترابطة من سيرورة اجتماعية تاريخية، من وجوهها الأخرى اختلاط السكان المتنوعي الأديان والمذاهب والإثنيات، وكذلك تمازج القيم الثقافية المحلية بقيم وافدة من الغرب، وميل عام إلى انفراد الدولة بالسيادة " لكن هذه الأيديولوجية راحت تتلقى الضغوط من مجنبتين :
-1- من ميل مستفحل لتقليص المشاركة السياسية  من قبل النخب التي آلت إليها السلطة بعد أن انتقل الصراع عليها من البرلمان إلى المؤسسة العسكرية   مما أفقدها "أي الأيديولوجية :القومية والشيوعية"مصداقيتها لجهة أنها التصور النظري المشترك للفئات والشرائح الإجتماعية الراغبة بالتغيير .
-2- ومن إغراء استدعاء الدين إلى الصراع السياسي الذي مارس الإخوان المسلمين الدعوة له تحت قبة البرلمان" مصطفى السباعي ومشروعه لأسلمة الدولة  الذي عرض على البرلمان للتصويت ففشل "  وصولا ً إلى استخدام الورقة الطائفية في مواجهة السلطة خالطاً حابل الخلاف السياسي بنابل الخلاف اللاهوتي. ومشهراً في وجهها الحجاب والنقاب وباقي ترسانة التمايز الديني والمذهبي -الذي خلفته  لمسلمي العصر الراهن قرون  من الصراع للأستحواذ على شرعية التمثيل الأرسوذكسي للإسلام الصحيح –وذلك لملئ قطار المعارضة بالركاب ..
 بمقدار ما هو صحيح القول "لقد سقط المشروع العام، مشروع التقدم والتشارك، وبفعل قصوراته الذاتية المتعددة أساساً. ولم يبق غير مشروع نرجسي خاص مفروض قسراً على الجميع، ومعني فقط بخلوده الذاتي. "بمقدار ماهو صحيح أيضاً القول أن المنافسين السياسيين للسلطة وعمودهم الفقري منذ أوائل السبعينات تنظيم الأخوان المسلمين كانوا المشاركين من المقلب الآخر في صناعة المخنق الراهن ..لقد برهنت أوضاع أخرى على إمكانية التحول من نظام رأسمالية الدولة "الإطار المؤقت للتحول إلى الرأسمالية في عصر الإمبريالية " وما يميز هذا الإطار من فساد واستبداد وتمركز شديد للسلطة ,إلى الصيغة الأقل سوءاً وهي الدولة الرأسمالية بالآليات التي توفر إمكانية الحد من الفساد والإستبداد  واحتكار السلطة .. لقد انفتح هذا الخيار حيث كان للإسلاميين موقعاً هامشيا في حركة التحول ,وقاد-حيث كان للإسلاميين موقع الهيمنة في حركة التغيير - إلى تجديد شباب دولة رأسمالية الدولة بعد استبدال اليافطة العلمانية بيافطة إسلامية ..بين ماليزيا وإيران  مفترق طرق  تحدد اليافطة الأيديولوجية  لقوى التغيير في العالمين: العربي  و  الإسلامي أي الخيارين سيوضع موضع التنفيذ ..
وكما يختم ياسين أحب أن أختم : نحتاج إلى نظر يتجاوز المتداول في جذور إخفاق سفورنا السابق من أجل سفور تاريخي جديد

·         جميع ماهو بين قوسين  من مقالة ياسين الحاج صالح في صحيفة الحياة -1 - 8 – 2

سامي العباس

النقاب موقف فكري أم احتجاج سياسي ؟

النقاب موقف فكري أم احتجاج سياسي ؟
" بالنسبة للكاتب لا يتكلم أحد عن النقاب إلا إن كان تنطعا أو كيدا للنظام. ففي نظره يستحيل أن يتم ذلك من منطلق فكري .. بل لابد أن يتم حصرا من منطلق طائفي أو سياسوي.  يظن الكاتب أن هذا التصنيف يفضح معارضيه .. لكنه أيضا يعبر عن فرضياته هو. وكان الأجدى به أن يدشن حوار فكري في المسألة بدلا من التحريض ضد من يعارضهم"
هكذا يفتتح أمير غندور مداخلته المطولة  على جري عادته  مع النصوص التي يجرب عليها مهاراته في التصويب  ..وهو إذ يتنقل بمهارة من الرمي رشاً إلى الرمي دراكاً, يمارس إستراتيجية إعماء الخصم بغزارة النيران ,على مذهب المثل المصري "العيار اللي ما يصيبش يدوش " مستفيداً من سعة إطلاع" ثقافي " يتميز بها, وقدرة على ارتجال الأفكار وذرابة قلم يميل به كأبطال السير الشعبية على الميمنة فيكشفها ويميل به على الميسرة  فيكشفها أيضاً, كل ذلك ولا ينشف له مداد ولا تجف له قريحة ..لكنه إذ يتهم عمر قدور بالطائفية فإنه  يهبط بالنقاش إلى مشاجرة نسوان حيث الشتيمة  هي :مما تضعه الصدفة على اللسان ..
عندما يستعرض عمر قدور في مقالته على موقع الأوان - الاربعاء 28 تموز (يوليو) 2010 تحت عنوان : السّجال حول النقاب في سوريا. ردود الأفعال التي أثارتها القرارات الأخيرة في سورية حيال النقاب والمنقبات ,ويصنفها في خانة الإستثمار السياسي في الدين الذي يجنح إليه  منافسون سياسيون غسلوا أيديهم من قدرة  الأيديولوجيات االوضعية  على إيصالهم إلى موقع المشاركة في منافع السلطة ,فهو يسمي الأشياء بأسمائها ..
وإلا ما معنى هذا الإستيقاظ المفاجئ على الهوية الطائفية لنخب طالما رفعت عالياً هذه الأيديولوجية الوضعية أو تلك .وناضلت عقوداً  تحت رايتها للوصول إلى سلطة ترى في الوصول إليها وسيلة   لقيادة مجتمعاتها  من الجهل والتخلف  والفقر إلى شرط بشري أفضل؟..
 ليست الإنتكاسة الراهنة باتجاه الخطابات الطائفية "عارية أو مبطنة "التي يجنح إليها بعض من الناشطين السياسيين في سورية إلا وقوع في الفخ اللبناني والعراقي , حيث تحولت الكيانات الطائفية الموروثة تاريخياً في الدولتين إلى غيتوهات تتبادل التكفير والعنف, وتدمر ما بقي من جسور  أنشأتها تجربة التحديث العربية في القرنين الفائتين .. يقول الأستاذ  غندور : "المقال الحالي يعبّر بوضوح عن خوف العلمانيين السوريين من التقدم الملحوظ للأطروحات الإسلامية لكنه للأسف يعبر أيضا عن عجز العلمانية السورية عن ملاقحة ومقارعة الإسلاميين السوريين بذات النفس الفكري الذي بدأ الإسلاميون يتفوقون به على العلمانويين"
الطريف في  هذا القول أن التحاق قطاعات واسعة من العلمانيين السوريين  بطوائفهم في مجرى الصراع السعودي –الإيراني على إحتلال الفضاء الديني في سورية ,يجري تصويره "كتفوق (فكري ) للإسلاميين السوريين على العلمانيين السوريين " .لكأن هذا التفوق( الفكري )لايسند ظهره إلى البترودولار وإلى اللعب بالتدين الفطري للعامة وإلى الحصار المضروب على النشاط العلما ني سواء أخذ طابعاً سياسياً أو ثقافياً من قبل نخب في السلطة تعمل على تأمين مستقبلها في قابل الأيام ..ياله من تحليل منصف وموضوعي .ولا ينقصه سوى أن يتحفنا  الأستاذ غندور ببعض من  أدبيات الإسلاميين السوريين لعلنا نعيد النظر في موقع أقدامنا فيكسب فينا حسنة ..سيما أن ما يضمره هذا التحليل هو توجيه التهمة بشكل موارب للعلمانيين السوريين بأن موقفهم من الإسلاميين يموضعهم في خنادق السلطة : مقاتلون بالمجان وكتبة تقارير علنية بالمناضلين الإسلاميين .
يقول غندور في تعليقه " إن الحديث عن (سجال) حول النقاب في سوريا يثير الضحك أكثر مما يثير التفكير...فما معنى كلمة (سجال) بالضبط في السياق السوري؟ هل لها أي معنى.  فالسجال يفترض فيه وجود حوار في المجال العام بين مواطنين وأعضاء مجتمع مدني  فهل هذا معنى (السجال) في سوريا؟ أم أننا نتكلم عن محض (إلهاء) أو (تأليب) لأطلال مجتمع مدني؟  هل يظن الكاتب أنه بمقاله يثير حوار أو يشارك في سجال؟؟ أم أن المسألة لها حسابات مختلفة تماما.  أليس الأمر محض تمرير لسياسات من منطلقات محددة ومعروفة ومسبقة بحيث لا يصير (السجال) أو (الحوار) سوى محض (دعاية موجهة) أو حتى ما هو أسوأ …."
في رأي غندور أن السجال لايستحق هذا الاسم إلا إذا دار في المجال العام  بين  مواطنين وأعضاء في مجتمع مدني ..أي أنه علينا أن نلتزم الصمت حتى نصبح مواطنين وأعضاء في مجتمع مدني .لا أجد رداً على هذا المنطق سوى هذا المثل الفلاحي :عيش ياكديش حتى يأتيك الحشيش ..
وهو يرى في هذا السجال "محض (إلهاء )أو (تأليب) لأطلال مجتمع مدني .وينبغي على العلمانيين ألا يتحولوا  مطية لتمرير سياسات  محددة ومعروفة مسبقاً .تحّول السجال إلى محض دعاية موجهة أو ما هو أسوأ" ..
 يضمر هذا الخطاب مايجهر به الإسلاميون : أبلسة النظام بالمعنى الديني للكلمة ,وتحويله إلى شرٍ محض ..لايرى هذا الخطاب  النظام كإطار سياسي   لإدارة المصالح يخضع للضغوط من هنا وهناك .وما  السياقات التي يذهب إليها إلا حصيلة مؤقتة  لتوازن القوى بين جماعات الضغط  الإقتصادية-الإجتماعية  التي يتركب منها  ويصدر عنها . .وأن الفعاليات العلمانية  التي ترتضي الإستقالة من وظيفتها في الدفع نحو ما تتصوره الأفضل لمستقبل الأجيال القادمة سترّحل مهماتها إلى عاتق هذه الأجيال .. إن التلاوين الأيديولوجية الحديثة التي يحتفظ بها النظام هي من مكتسبات  النخبة السورية الحديثة التي تسنمت مسؤولية الخروج بسورية من التخلف القروسطي .والنظام  إذ يتخلى عنها تحت ضغط تمشيخ  بعض ٍ من نخبته ,أو تحت الضغط الذي يمارسه عليه منافسون سياسيون يحتطبون لمعاركهم معه من غابة الفضاء الثقافي الإسلامي , فإن الفاتورة سيجري دفعها من مستقبل أجيالنا القادمة ..لقد عمل الخطاب السياسي  للإخوان المسلمين السوريين على نزع الشرعية الدينية عن نخبة السلطة منذ الستينات ,عبر تصويرها بداية كمجموعة من الملحدين. ولاحقاً كتحالف  للأقليات الدينية مع بعض العملاء من أبناء الأكثرية السنية  ..وقد تابع التيار الإسلامي لخمسة عقود  الكز على هذا الخطاب .وفي مجرى انسداد خيار رأسمالية الدولة في المستويين:الاقتصادي والسياسي  -وهو انسداد ذو  طابع عالمي- تعمقت أزمة النخبة الحاكمة السورية. وتقلصت قاعدتها الإجتماعية . ووجد منافسوها السياسيون أقصر الطرق لإسقاطها الإستعانة بالقاموس الأيديولوجي للإخوان المسلمين ..لقد بدأ علمانيون:قوميون وشيوعيون ..إلخ .. من مختلف الطوائف , الإستعارة  من هذا القاموس على استحياء .ومع الوقت انفجر شرش الحياء على نحو جماعي في لحظة من غياب الوعي على خطورة ما ستفعله لغة هذا القاموس بالجسور التي شيدتها الطوائف فيما بينها ..وها نحن أمام استحقاق وضعنا في مواجهته هيمنة الإسلاميين على المخيال الديني للطوائف لتوظيفه في المعارك السياسية ..
على العلمانيين ضبط تنافسهم مع نخب السلطة في سورية وباقي دول العالم العربي والإسلامي  في الحقل السياسي .هذا يترك الأفق مفتوحاً على تحسين محتويات الدولة الموروثة من المرحلة الكولونيالية ..أي توسيع رقعة المشاركة السياسية وفك تداخل السلطات وتدعيم الشفافية ومكافحة الفساد ..إلخ ..غير ذلك يندرج تحت ما يسمى "بفقه النكاية " ينزلق إليه علمانيون سبق أن انزلق إليه نظراء لهم في إيران السبعينات . فنقلوا مجتمعاتهم من تحت الدلف إلى تحت المزراب .
سامي العباس

النقاب موقف فكري أم احتجاج سياسي ؟

النقاب موقف فكري أم احتجاج سياسي ؟
" بالنسبة للكاتب لا يتكلم أحد عن النقاب إلا إن كان تنطعا أو كيدا للنظام. ففي نظره يستحيل أن يتم ذلك من منطلق فكري .. بل لابد أن يتم حصرا من منطلق طائفي أو سياسوي.  يظن الكاتب أن هذا التصنيف يفضح معارضيه .. لكنه أيضا يعبر عن فرضياته هو. وكان الأجدى به أن يدشن حوار فكري في المسألة بدلا من التحريض ضد من يعارضهم"
هكذا يفتتح أمير غندور مداخلته المطولة  على جري عادته  مع النصوص التي يجرب عليها مهاراته في التصويب  ..وهو إذ يتنقل بمهارة من الرمي رشاً إلى الرمي دراكاً, يمارس إستراتيجية إعماء الخصم بغزارة النيران ,على مذهب المثل المصري "العيار اللي ما يصيبش يدوش " مستفيداً من سعة إطلاع" ثقافي " يتميز بها, وقدرة على ارتجال الأفكار وذرابة قلم يميل به كأبطال السير الشعبية على الميمنة فيكشفها ويميل به على الميسرة  فيكشفها أيضاً, كل ذلك ولا ينشف له مداد ولا تجف له قريحة ..لكنه إذ يتهم عمر قدور بالطائفية فإنه  يهبط بالنقاش إلى مشاجرة نسوان حيث الشتيمة  هي :مما تضعه الصدفة على اللسان ..
عندما يستعرض عمر قدور في مقالته على موقع الأوان - الاربعاء 28 تموز (يوليو) 2010 تحت عنوان : السّجال حول النقاب في سوريا. ردود الأفعال التي أثارتها القرارات الأخيرة في سورية حيال النقاب والمنقبات ,ويصنفها في خانة الإستثمار السياسي في الدين الذي يجنح إليه  منافسون سياسيون غسلوا أيديهم من قدرة  الأيديولوجيات االوضعية  على إيصالهم إلى موقع المشاركة في منافع السلطة ,فهو يسمي الأشياء بأسمائها ..
وإلا ما معنى هذا الإستيقاظ المفاجئ على الهوية الطائفية لنخب طالما رفعت عالياً هذه الأيديولوجية الوضعية أو تلك .وناضلت عقوداً  تحت رايتها للوصول إلى سلطة ترى في الوصول إليها وسيلة   لقيادة مجتمعاتها  من الجهل والتخلف  والفقر إلى شرط بشري أفضل؟..
 ليست الإنتكاسة الراهنة باتجاه الخطابات الطائفية "عارية أو مبطنة "التي يجنح إليها بعض من الناشطين السياسيين في سورية إلا وقوع في الفخ اللبناني والعراقي , حيث تحولت الكيانات الطائفية الموروثة تاريخياً في الدولتين إلى غيتوهات تتبادل التكفير والعنف, وتدمر ما بقي من جسور  أنشأتها تجربة التحديث العربية في القرنين الفائتين .. يقول الأستاذ  غندور : "المقال الحالي يعبّر بوضوح عن خوف العلمانيين السوريين من التقدم الملحوظ للأطروحات الإسلامية لكنه للأسف يعبر أيضا عن عجز العلمانية السورية عن ملاقحة ومقارعة الإسلاميين السوريين بذات النفس الفكري الذي بدأ الإسلاميون يتفوقون به على العلمانويين"
الطريف في  هذا القول أن التحاق قطاعات واسعة من العلمانيين السوريين  بطوائفهم في مجرى الصراع السعودي –الإيراني على إحتلال الفضاء الديني في سورية ,يجري تصويره "كتفوق (فكري ) للإسلاميين السوريين على العلمانيين السوريين " .لكأن هذا التفوق( الفكري )لايسند ظهره إلى البترودولار وإلى اللعب بالتدين الفطري للعامة وإلى الحصار المضروب على النشاط العلما ني سواء أخذ طابعاً سياسياً أو ثقافياً من قبل نخب في السلطة تعمل على تأمين مستقبلها في قابل الأيام ..ياله من تحليل منصف وموضوعي .ولا ينقصه سوى أن يتحفنا  الأستاذ غندور ببعض من  أدبيات الإسلاميين السوريين لعلنا نعيد النظر في موقع أقدامنا فيكسب فينا حسنة ..سيما أن ما يضمره هذا التحليل هو توجيه التهمة بشكل موارب للعلمانيين السوريين بأن موقفهم من الإسلاميين يموضعهم في خنادق السلطة : مقاتلون بالمجان وكتبة تقارير علنية بالمناضلين الإسلاميين .
يقول غندور في تعليقه " إن الحديث عن (سجال) حول النقاب في سوريا يثير الضحك أكثر مما يثير التفكير...فما معنى كلمة (سجال) بالضبط في السياق السوري؟ هل لها أي معنى.  فالسجال يفترض فيه وجود حوار في المجال العام بين مواطنين وأعضاء مجتمع مدني  فهل هذا معنى (السجال) في سوريا؟ أم أننا نتكلم عن محض (إلهاء) أو (تأليب) لأطلال مجتمع مدني؟  هل يظن الكاتب أنه بمقاله يثير حوار أو يشارك في سجال؟؟ أم أن المسألة لها حسابات مختلفة تماما.  أليس الأمر محض تمرير لسياسات من منطلقات محددة ومعروفة ومسبقة بحيث لا يصير (السجال) أو (الحوار) سوى محض (دعاية موجهة) أو حتى ما هو أسوأ …."
في رأي غندور أن السجال لايستحق هذا الاسم إلا إذا دار في المجال العام  بين  مواطنين وأعضاء في مجتمع مدني ..أي أنه علينا أن نلتزم الصمت حتى نصبح مواطنين وأعضاء في مجتمع مدني .لا أجد رداً على هذا المنطق سوى هذا المثل الفلاحي :عيش ياكديش حتى يأتيك الحشيش ..
وهو يرى في هذا السجال "محض (إلهاء )أو (تأليب) لأطلال مجتمع مدني .وينبغي على العلمانيين ألا يتحولوا  مطية لتمرير سياسات  محددة ومعروفة مسبقاً .تحّول السجال إلى محض دعاية موجهة أو ما هو أسوأ" ..
 يضمر هذا الخطاب مايجهر به الإسلاميون : أبلسة النظام بالمعنى الديني للكلمة ,وتحويله إلى شرٍ محض ..لايرى هذا الخطاب  النظام كإطار سياسي   لإدارة المصالح يخضع للضغوط من هنا وهناك .وما  السياقات التي يذهب إليها إلا حصيلة مؤقتة  لتوازن القوى بين جماعات الضغط  الإقتصادية-الإجتماعية  التي يتركب منها  ويصدر عنها . .وأن الفعاليات العلمانية  التي ترتضي الإستقالة من وظيفتها في الدفع نحو ما تتصوره الأفضل لمستقبل الأجيال القادمة سترّحل مهماتها إلى عاتق هذه الأجيال .. إن التلاوين الأيديولوجية الحديثة التي يحتفظ بها النظام هي من مكتسبات  النخبة السورية الحديثة التي تسنمت مسؤولية الخروج بسورية من التخلف القروسطي .والنظام  إذ يتخلى عنها تحت ضغط تمشيخ  بعض ٍ من نخبته ,أو تحت الضغط الذي يمارسه عليه منافسون سياسيون يحتطبون لمعاركهم معه من غابة الفضاء الثقافي الإسلامي , فإن الفاتورة سيجري دفعها من مستقبل أجيالنا القادمة ..لقد عمل الخطاب السياسي  للإخوان المسلمين السوريين على نزع الشرعية الدينية عن نخبة السلطة منذ الستينات ,عبر تصويرها بداية كمجموعة من الملحدين. ولاحقاً كتحالف  للأقليات الدينية مع بعض العملاء من أبناء الأكثرية السنية  ..وقد تابع التيار الإسلامي لخمسة عقود  الكز على هذا الخطاب .وفي مجرى انسداد خيار رأسمالية الدولة في المستويين:الاقتصادي والسياسي  -وهو انسداد ذو  طابع عالمي- تعمقت أزمة النخبة الحاكمة السورية. وتقلصت قاعدتها الإجتماعية . ووجد منافسوها السياسيون أقصر الطرق لإسقاطها الإستعانة بالقاموس الأيديولوجي للإخوان المسلمين ..لقد بدأ علمانيون:قوميون وشيوعيون ..إلخ .. من مختلف الطوائف , الإستعارة  من هذا القاموس على استحياء .ومع الوقت انفجر شرش الحياء على نحو جماعي في لحظة من غياب الوعي على خطورة ما ستفعله لغة هذا القاموس بالجسور التي شيدتها الطوائف فيما بينها ..وها نحن أمام استحقاق وضعنا في مواجهته هيمنة الإسلاميين على المخيال الديني للطوائف لتوظيفه في المعارك السياسية ..
على العلمانيين ضبط تنافسهم مع نخب السلطة في سورية وباقي دول العالم العربي والإسلامي  في الحقل السياسي .هذا يترك الأفق مفتوحاً على تحسين محتويات الدولة الموروثة من المرحلة الكولونيالية ..أي توسيع رقعة المشاركة السياسية وفك تداخل السلطات وتدعيم الشفافية ومكافحة الفساد ..إلخ ..غير ذلك يندرج تحت ما يسمى "بفقه النكاية " ينزلق إليه علمانيون سبق أن انزلق إليه نظراء لهم في إيران السبعينات . فنقلوا مجتمعاتهم من تحت الدلف إلى تحت المزراب .
سامي العباس