الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

حول النقاب مرة ثانية

حول النقاب مرة ثانية

"نحتاج إلى نظر يتجاوز المتداول في جذور إخفاق سفورنا السابق من أجل سفور تاريخي جديد."*
هكذا يختم ياسين الحاج صالح - بعد عرض صحيح بخطوطه العريضة لمقطع من التحولات في سورية وجوارها كان القرن العشرين إطاره الزمني- مداخلته في شأن النقاب وحركة التنقب الإجتماعي ..أقول صحيح في الخطوط العريضة ولكن الشيطان كما يقال يقعد في التفاصيل ..فكما يختلف اتباع المذاهب والطوائف الإسلامية في تفصيلات حكاية الإسلام الأولي ,يختلف الناشطون السياسيون في سورية وجوارها أيضاً على تفاصيل حكاية  لم تنتهي فصولها بعد .. حكاية " تكوّن الدولة الوطنية الحديثة في منطقتنا" والتي تعود إلى نهاية الحرب العالمية الأولى ..هناك ميل عام  إلى تحويل السلطات المحلية إلى مشجب لتعليق الإخفاقات يصطف إلى جانب مشجب الإستعمار والصهيونية  الذي انفرد إلى حين بوظيفة تطهير الذات  وتنقية الضمير الجمعي للأمة .. لم تفلح المقدمة الصحيحة  التي افتتح بها ياسين مقالته "السفور والتحجب (ومنه التنقب) عنوانان لحركتين اجتماعيتين تندرج ضمنهما أشياء أخرى." في تجنيبه الإنزلاق إلى ما يكرره آخرون إلى حد الملل في ارجاع كل بحصة تفرك تحت الكعب إلى مسؤولية السلطات الحاكمة ..تشابه المخانق التي آلت إليها  سيرورة  بناء الدولة الوطنية الحديثة : المصرية والسورية والعراقية والجزائرية ..إلخ تشير إلى تشابه الإكراهات السسيولوجية التي رافقت  مشاريع التحديث آنفة الذكر ..وجذور النجاحات والفشل  تمتص غذاءها ليس فقط من فجاجة  الوعي الحديث  الذي امتصته القوى والأحزاب والفعاليات السياسية والإجتماعية التي شاركت في صناعة مجريات التحول في المنطقة . بل وأيضاً من عقبات ذات طابع بنيوي اشتغلت كألغام"سسيولاهوتية " مدفونة على الطريق تنتظر من يدوس عليها لكي تنفجر ..لقد اندرج السفور كما يقول ياسين بحق في سياق أوسع " كان عنصراً من إيديولوجية أوسع تحض على العلم والعمل، وعلى بناء الأوطان، وتقول إن المرأة نصف المجتمع، ومن شأن غيابها أن يجعل هذا كأنه مصاب بفالج نصفي. كانت هذه الإيديولوجية تدعو إلى تعليم النساء وتثقيفهن، وتشجع مشاركتهن الرجال في الحياة العامة. والمشاركة تعني الخروج من البيت، وتعني الاختلاط، وتعني السفور. هذه وجوه مترابطة من سيرورة اجتماعية تاريخية، من وجوهها الأخرى اختلاط السكان المتنوعي الأديان والمذاهب والإثنيات، وكذلك تمازج القيم الثقافية المحلية بقيم وافدة من الغرب، وميل عام إلى انفراد الدولة بالسيادة " لكن هذه الأيديولوجية راحت تتلقى الضغوط من مجنبتين :
-1- من ميل مستفحل لتقليص المشاركة السياسية  من قبل النخب التي آلت إليها السلطة بعد أن انتقل الصراع عليها من البرلمان إلى المؤسسة العسكرية   مما أفقدها "أي الأيديولوجية :القومية والشيوعية"مصداقيتها لجهة أنها التصور النظري المشترك للفئات والشرائح الإجتماعية الراغبة بالتغيير .
-2- ومن إغراء استدعاء الدين إلى الصراع السياسي الذي مارس الإخوان المسلمين الدعوة له تحت قبة البرلمان" مصطفى السباعي ومشروعه لأسلمة الدولة  الذي عرض على البرلمان للتصويت ففشل "  وصولا ً إلى استخدام الورقة الطائفية في مواجهة السلطة خالطاً حابل الخلاف السياسي بنابل الخلاف اللاهوتي. ومشهراً في وجهها الحجاب والنقاب وباقي ترسانة التمايز الديني والمذهبي -الذي خلفته  لمسلمي العصر الراهن قرون  من الصراع للأستحواذ على شرعية التمثيل الأرسوذكسي للإسلام الصحيح –وذلك لملئ قطار المعارضة بالركاب ..
 بمقدار ما هو صحيح القول "لقد سقط المشروع العام، مشروع التقدم والتشارك، وبفعل قصوراته الذاتية المتعددة أساساً. ولم يبق غير مشروع نرجسي خاص مفروض قسراً على الجميع، ومعني فقط بخلوده الذاتي. "بمقدار ماهو صحيح أيضاً القول أن المنافسين السياسيين للسلطة وعمودهم الفقري منذ أوائل السبعينات تنظيم الأخوان المسلمين كانوا المشاركين من المقلب الآخر في صناعة المخنق الراهن ..لقد برهنت أوضاع أخرى على إمكانية التحول من نظام رأسمالية الدولة "الإطار المؤقت للتحول إلى الرأسمالية في عصر الإمبريالية " وما يميز هذا الإطار من فساد واستبداد وتمركز شديد للسلطة ,إلى الصيغة الأقل سوءاً وهي الدولة الرأسمالية بالآليات التي توفر إمكانية الحد من الفساد والإستبداد  واحتكار السلطة .. لقد انفتح هذا الخيار حيث كان للإسلاميين موقعاً هامشيا في حركة التحول ,وقاد-حيث كان للإسلاميين موقع الهيمنة في حركة التغيير - إلى تجديد شباب دولة رأسمالية الدولة بعد استبدال اليافطة العلمانية بيافطة إسلامية ..بين ماليزيا وإيران  مفترق طرق  تحدد اليافطة الأيديولوجية  لقوى التغيير في العالمين: العربي  و  الإسلامي أي الخيارين سيوضع موضع التنفيذ ..
وكما يختم ياسين أحب أن أختم : نحتاج إلى نظر يتجاوز المتداول في جذور إخفاق سفورنا السابق من أجل سفور تاريخي جديد

·         جميع ماهو بين قوسين  من مقالة ياسين الحاج صالح في صحيفة الحياة -1 - 8 – 2

سامي العباس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق