تنقيب نساء أم تلاعب سياسي بالدين ؟
لاينفصل تصعيد التطرف الديني- الذي يأخذ أشكالاً متنوعة للإفصاح عن نفسه في اللباس والطعام والسلوك- عن الطموحات السياسية لمن يقف خلف هذا التطرف مستخرجاً له المبررات اللاهوتية ..وليست هذه الفورة الراهنة للإستثمار السياسي في الدين -وهي بالمناسبة تشبه جائحة عامة تنتشر كالنار في الهشيم مخترقة جميع البيئات الطائفية والمذهبية - بمعزل أيضاً عن صراعات القوى العظمى التي تطمح لضبط إيقاع عمليات التحول التاريخية التي تشهدها مجتمعات العالمين العربي -الإسلامي بما لايخرج عن استراتيجياتها للبقاء على قمة العالم ..في هذه المعمعه من الصراع السياسي"الدولي والمحلي " ينبغي عدم إضاعة البوصلة . فبما أن النشاط العقلي للبشر هو الذي يقودهم إلى هنا او هناك فإن ثقافة تقيد العقل "بانجازات السلف الصالح " ينبغي أن يقطع عليها طريق الوصول إلى المدرسة والجامعة ووسائل الإعلام .وأن تجفف من حولها منايع الدعم المالي المتدفق عبر الحدود الوطنية أو من داخل هذه الحدود :جمعيات خيرية تتلطى تحت هذا العنوان وتمد لواقطها كالسرطان باتجاه البيئات الفقيرة للتلاعب بخياراتها السياسية .ليست الخطوة التي أخذتها وزارة التربية في سورية بإحالة المنقبات إلى وزارات أخرى سوى محاولة لتنبيه المنقبات إلى خطورة ما يفعلنه في المدارس .ففي هذه الأخيرة يجري صناعة المستقبل .ولا ينبغي أن يعطى لمشايخ التعصب وفقهاء بول البعير فرصة التحكم بصناعة مستقبلنا ..الأوساط التي تتحفظ على هذه الخطوة وتجد فيها ظلما للمرأة.وإحكاماً للحصار حولها بمنعها من العمل كون هذا الأخير البوابة الإقتصادية للخروج من حصار الثقافة الذكورية المهيمنة على مساحات اجتماعية واسعة لم تطالها أصابع الحداثة العقلية , نسيت أنه يتوجب على المرأة التي تريد الحصول على حقوقها أن تناضل لإنتزاع هذه الحقوق. لا أن تعطي باستسلامها لأهواء الذكر المتعصب المسلح بثقافة استعباد المرأة الفرصة لنشر هذه الثقافة في المدارس والجامعات والشارع . وأن واجب الدولة أن توفر بإجراءاتها البيئة القانونية الداعمة لحقوق المرأة .إن سياسة التراجع أمام ضغوط الممسكين بزمام المقدس وتجييره لمصلحة البقاء في حالة الإستنقاع الحضاري التي تعيشها المجتمعات المسلمة لانهاية لها سوى تسليم البلد لفقهاء الفتنة الطائفية .وعندها سنقرأ الفاتحة على كل ما راكمته الحداثة من انجازات طيلة قرنين ..ينبغي أن نثمّن إستيقاظ وزارة التربية على ما يجري في حاكورتها منذ سنوات .ونطالبها بمزيد من اليقظة وعدم العودة إلى النوم في العسل. ونطالب الحكومة بباقة من الإجراءات الرديفة كتلك التي تسربت أخيراً عن تعليمات لوزير التعليم العالي بمنع دخول المنقبات إلى الحرم الجامعي .ذلك أن مجتمعاتنا تستحق منا أن نعمل على تجنيبها الذهاب إلى فتنة تحتطب لها أوساط تدعي التدين ولعابها يسيل على منافع الدنيا .
سامي العباس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق