الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

أي موتى يجب أن ندفن ؟

حوار مع سلامة كيلة : الأحزاب الشيوعية العربية علينا أن ندفن موتانا

في مقالة نقديّة لتجربة الأحزاب الشيوعيّة العربيّة، وضرورة دفن تجربتها السابقة من أجل إنقاذ الماركسيّة.جريدة الأخبار - عدد الخميس ٢١ تشرين الأول ٢٠١٠   ُيرجع الأستاذ سلامه كيلة دورها  المتواضع في الحياة السياسية العربية  , لتغييبها مبدأ التغيير  " لدى النظر إلى القوى التي "تحتل" الموضع الذي يخص الاشتراكية، وأقصد كل الأحزاب الشيوعية والماركسية، سوف نلمس أن مبدأ التغيير غائب، وأن الأفق الاشتراكي تحوّل إلى خيال، وأن البرامج المطروحة هي أقرب لأن تكون برامج قوى ليبرالية أو منظمات حقوق الإنسان، وتقوم على المطالب والمطالبة دون سياق لتحقيقها "
غياب مبدأ التغيير في نظر سلامة كيلة كما فهمت حلت محله إستراتيجية  الحفاظ  على البقاء البيولوجي . وسياسة دعم القوى التي تنجز التحول الرأسمالي في العالم العربي ..أي أن الحزب  الشيوعي بدلا من أن يكون حزب التغيير في لحظة احتدام الصراع الطبقي, فضل الانسحاب من  موقع القيادة في لحظة الأزمة لمصلحة أحزاب قومية أو وطنية  يرى أن مهمتها التاريخية إنجاز التحول الرأسمالي .. وعلى هذه الخلفية التحليلية فضلت الأحزاب الشيوعية التموضع كنسق ثاني داعم لهذه العملية ..
وفي قراءته للمشهد العربي  يقول " وإذا تلمسنا الوضع العربي منذ نشوء الحركة الشيوعية، فسوف نلمس أنه كان يختمر في أزمات متعددة، أزمة السيطرة الاستعمارية، وأزمة الفقر والتخلف الناتجين عن النهب الإمبريالي ونهب القوى الإقطاعية التجارية المسيطرة. وكان يسير نحو تفاقم الصراعات ضد الاحتلال وضد النظم التي تخضع له. وحين انتهت الحرب الثانية بتراجع وضع القوى الاستعمارية آنذاك (إنكلترا وفرنسا)، كانت الأزمة الاجتماعية تتصاعد، وخصوصاً في الريف الذي كان يمثّل البنية الأساسية من حيث الإنتاج والتشكل البشري والصراع الطبقي. وإذا كانت نكبة فلسطين قد أدّت دوراً في تأجيج الصراع، فإن الوضع كان قد وصل إلى حالة «الأزمة الثورية» كما تسمى عادة في الماركسية، حيث لم يعد الشعب قادراً على تحمّل استمرار الوضع كما هو، ولم تعد النظم قادرة على الحكم، وخصوصاً بعد انسحاب الاستعمار والفراغ الذي تركه ذلك.هذا الوضع هو الذي فرض تقدّم الطبقة التي لا تستطيع أن تؤدّي سوى دور انتقالي، لأنها لا تمتلك مقدرة على تأسيس نمط خاص، وأقصد البرجوازية الصغيرة، والريفية بالتحديد. إن الفراغ الذي نشأ، ليس عن انسحاب الاستعمار فقط، بل عن عجز الطبقات القادرة على تكوين نمطها الخاص، أي البرجوازية التي كانت في ترابط مع الإقطاع أو مع الرأسمال الإمبريالي من جهة، والطبقة العاملة من جهة أخرى. وإذا كان يجب أن ندرس مرحلة البرجوازية الصغيرة الريفية، فإن ما هو مهمّ هنا هو أن نعرف أن هذا الدخول لها (عبر الجيش خصوصاً) كان نتيجة الفراغ لا نتيجة مؤامرة أو لكونه دوراً طبيعياً. فهي لا تستطيع أن تتشكل في حزب متماسك، ولا أن تقدّم بديلاً يعبّر عنها، لأنها بالضبط تحلم بالملكية الخاصة، الذي يقود تحقيقها إلى الترسمُل، وهو ما يمكن دراسته عيانياً على ضوء تجاربها في مصر وسوريا والعراق والجزائر والسودان. ولهذا استغلت الجيش الذي تكوّن من أغلبية ريفية. "
 هذا التوصيف الصحيح بمجمله للمشهد يوضع في خدمة الفكرة المحورية التي تلخص "نقدية "الأستاذ سلامة للشيوعية العربية " أي نقص الشجاعة " بالمقارنة مع أحزاب  شيوعية لديها فائض من هذه الأخيرة , مكّنها في لحظة "ثورية " من قيادة التغيير في بلدانها كما جرى في روسيا والصين وفيتنام .. الخ ..
وأسأل:  لو أن ما يأخذه الأستاذ سلامه على الأحزاب الشيوعية العربية قد جرى  تلافيه  في حينه "أي في اللحظات الثورية التي مر ت بها الأوضاع هنا أو هناك في العالم العربي" وتسنم الشيوعيون   في سورية ومصر والعراق  بدلا من البعث وعبد الناصر قيادة دفة عملية التغيير , هل سيكون المآل  مختلفاً  في ضوء ما انتهت إليه  تجربة ما سمي في حينه المعسكر الاشتراكي ؟ ..
بدلا من أن تذهب  نقدية سلامة كيلة إلى "اللينينية " التي وجدت في التحول المتأخر إلى الرأسمالية في عصر الإمبريالية فرصة للطبقة العاملة وحزبها الشيوعي لدمج الثورتين الديمقراطية والاشتراكية , وهذا ما برهن على استحالته –مخبرياً- سياق الأحداث في القرن العشرين. و شخّصه ماركس - نظرياً -  حين قال " إن تشكيلا اجتماعيا معينا لا يزول قط قبل أن تنمو كل القوى الإنتاجية التي يتسع لاحتوائها ,ولا تحل قط محل هذا التشكيل علاقات إنتاج جديدة و متفوقة ما لم تنفتح شروط الوجود المادي لهذه العلاقات في صميم المجتمع القديم نفسه, ومن أجل ذلك لا تطرح الإنسانية على نفسها قط سوى مسائل قادرة على حلها"ماركس إسهام في نقد الاقتصاد السياسي /ص/26 / . توقفت نقديته عند تخوم الرفاق السوفييت اللذين خانوا اللينينية " إن الإستراتيجية التي وضعتها الحركة لذاتها (أو وضعها لها الرفاق السوفييت) لم تكن في وارد التغيير، رغم أن تطور القرن العشرين وأزماته بعد تبلور النمط الرأسمالي كنمط عالمي إمبريالي كان يدفع نحو انتصار الشيوعية كما توضح في مناطق واسعة من العالم الطرفي. وهنا يمكن أن نلمس التحوّل الذي حكم هذه الإستراتيجية التي كانت تقوم على أساس «الماركسية اللينينية»، وتعلي من قيمة لينين، فتجاهلت أهم ما أضافه، وهو التقاطه الوضع العالمي الجديد ونشوء الإمبريالية، الذي فرض عليه التأكيد على ضرورة قيادة الشيوعيين إلى النضال من أجل التغيير وتحقيق المهمات الديمقراطية في طريق الانتقال إلى الاشتراكية."
لقد استنتجت اللينينية من الشروط التي ولدتها الإمبريالية انغلاق  الطرق أمام استكمال  التحول الرأسمالي نظراً لاقتصار  حاجة المركز الإمبريالي على كومبرادور في الأطراف,  يتولى تسويق السلع المصنعة , ويربط الأطراف  بالمركز بدون الحاجة إلى تواجد مباشر للجيوش,  وخالقاً بذلك  الشروط المناسبة لإنهاء المرحلة الكولونيالية ..أدارت اللينينية ظهرها للتجربة الألمانية التي كانت باكورة تجارب التحول المتأخر إلى الرأسمالية , وأهمية إشارتها للطريق التي ستتخذه عملية التحول المتأخر إلى الرأسمالية  في ظل الإمبريالية ."طريق رأسمالية الدولة ". . لقد ساجل لينين في حينها ماركسيي عصره حول فكرة "الإمبريالية آخر مراحل الرأسمالية " متوخياً غرضين : إقفال تخوم نظام الإنتاج الرأسمالي في المركز,   وإقفال إمكانية التحول المتأخر إلى نظام الإنتاج الرأسمالي في الأطراف . أي اصطياد عصفورين بحجر واحد ..لكن الفهلوة يمكنها  أن تكسب معركة , ولكنها لا تستطيع أن تكسب الحرب ..
فاستيلاء الدولة على جزء أو معظم وسائل الإنتاج داخل ما سمي بالمعسكر الاشتراكي أو خارجه,  لم يتمخض عن  "تشكيل علاقات إنتاج جديدة و متفوقة "..ولم تكن الإشارات التي أطلقها لينين بعد انتصار البلاشفة "سياسة النيب " والسجال الذي أداره تروتسكي  مع الستالينية حول  "انتصار الإشتراكية في بلد واحد "أنصح بالعودة إلى مؤلفه المهم "الثورة الدائمة " إلا بمثابة عودة الوعي الماركسي لكل من لينين وتروتسكي  بعد سكرة النجاح في اقتناص "لحظة ثورية ". 
 لقد سخر التاريخ على طريقته من حجر لينين :
- فالنظام الإشتراكي طال به العمر أم قصر تكشّف عن نظام رأسمالية دولة متجانس في كل الأصقاع لجهة وظيفته "تأمين التراكم البدئي"أو أمراضه "الفساد والبيرقراطية والجمود العقائدي " أو سحبه للتنافس السياسي من دائرة الضوء إلى عالم الأقبية المعتم ..
-  والإمبريالية لم تعد آخر مراحل الرأسمالية .بل تبين أن المرتد "كاوتسكي " كان على حق عندما ساجل لينين حول منطقية وجود مرحلة "فوق إمبريالية " أنظر في هذا السياق : لينين – حركة شعوب الشرق الوطنية التحررية – طبعة دار التقدم – 1969 – ص 214
ليست العولمة التي نعيش بواكيرها سوى مرحلة فوق امبريالية – بتعبير كاوتسكي - لجهة نقلها آليات التوسع الرأسمالي من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج .وهي مرحلة تغيير عميق للشروط التي تحكمت بالتحول المتأخر إلى الرأسمالية في ظل  الإمبريالية  . حيث أنظمة رأسمالية الدولة جسر العبور الوحيد  للتحول الرأسمالي  المتأخر ..ليست الانهيارات المتتالية لأنظمة رأسمالية الدولة بفعل الفساد والبيروقراطية والتآمر الخارجي كما يروج خطاب تطهري غارق في النستالوجيا .بل جاء الانهيار على خلفية تبدل الشروط المولدة لرأسمالية الدولة - أعني شروط التحول المتأخر في ظل الإمبريالية – وإلا ما معنى هذا التعاقب  بين الظاهرتين : تحول التوسع الرأسمالي  من دائرة التبادل إلى دائرة الإنتاج مما فتح الطريق على ظهور جيلين من نمور آسيا في السبعينات والثمانينات .ثم تصدع وانهيار المعسكر الإشتراكي  في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ؟..للإطلالة على تجربة نمور آسيا ,أنظر كتاب الدكتور رمزي زكي  "المحنة الآسيوية " حيث تحولت دول المركز الرأسمالي إلى سياسات حمائية تعكس التبدل العميق في شروط إنتاج السلع لديها . وما  التلاعب في أسواق  النقد وسياسات خفض أو رفع قيمة العملات  الرئيسية التي تتشكل منها  سلة النقد  الدولية إلا لمواجهة التأثيرات الضارة لهذا الخلل العميق في التوازن بين كلفة إنتاج نفس السلعة بين المركز والأطراف ..يكفي أن نعرف أن  متوسط كلفة ساعة العمل في الولايات المتحدة الأمريكية تبلغ ثلاثين ضعفاً لنفس الساعة في بلد كسورية أو مصر على سبيل المثال , لنعرف ميكا نيزم التحول من التوسع في دائرة التبادل إلى التوسع في دائرة الإنتاج الذي يحكم الآن عملية التحول الرأسمالي في الأطراف ..إن فتح هذه الملفات من قبل علم الإجتماع الماركسي سيغير من الأجندات التي حددتها اللينينية مطلع القرن الماضي ..
ليست دعوة لتتخلى  الأحزاب الشيوعية والماركسية عن  وظيفتها في قيادة النشاط السياسي للشرائح المغبونة في نظام الإنتاج الرأسمالي .ولكنها دعوة للتفحص النقدي للأوهام التي أشاعتها اللينينية حول أفول الرأسمالية وانبثاق عصر الاشتراكية .. 
لا يكفي أن يتوقف النقد عند الراحل خالد بكداش  كظاهرة في الشيوعية العربية . ولا عند جوزيف ستالين كظاهرة في الشيوعية الدولية .ينبغي للنقد أن يصل إلى الماركسية –اللينينية  كقراءة في الماركسية فرضت نفسها كماركسية أرثوذكسية  لما يقرب من قرن .
24-10-20010
                                                                                                        
                                                                               سامي العباس –كاتب سوري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق